فصل: تفسير الآيات (72- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (72- 76):

{قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
قوله تعالى: {قالُوا} يعني السحرة {لَنْ نُؤْثِرَكَ} 20: 72 أي لن نختارك {عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ} 20: 72 قال ابن عباس: يريد من اليقين والعلم.
وقال عكرمة وغيره: لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة، فلهذا قالوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ 20: 72}. وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فقيل لها: غلب موسى وهرون، فقالت: آمنت برب موسى وهرون. فأرسل إليها فرعون فقال: أنظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة، فمضت على قولها فانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح.
وقيل: قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى: انظر إلى هذه الحية هل تخوفت؟ فتكون جنيا أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع، فقال: ما تخوفت، فقال: آمنت برب هرون وموسى. {وَالَّذِي فَطَرَنا} 20: 72 قيل: هو معطوف على {ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ 20: 72} أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا.
وقيل: هو قسم أي والله لن نؤثرك. {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} 20: 72 التقدير: ما أنت قاضيه. وليست {ما} ها هنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر، لان تلك توصل بالأفعال، وهذه موصولة بابتداء وخبر.
قال ابن عباس: فاصنع ما أنت صانع.
وقيل: فاحكم ما أنت حاكم، أي من القطع والصلب. وحذفت الياء من قاض في الوصل لسكونها وسكون التنوين. واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة التقاء الساكنين. {إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا} 20: 72 أي إنما ينفذ أمرك فيها. وهي منصوبة على الظرف، والمعنى: إنما تقضى في متاع هذه الحياة الدنيا. أو وقت هذه الحياة الدنيا، فتقدر حذف المفعول. ويجوز أن يكون التقدير: إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا، فتنتصب انتصاب المفعول و{ما} كافة لان. وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل {ما} بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت {هذه الحياة الدنيا}. {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا} 20: 73 أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى. {لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا} يريدون الشرك الذي كانوا عليه. {وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} {ما} في موضع نصب معطوفة على الخطايا.
وقيل: لا موضع لها وهى نافية، أي ليغفر لنا خطايانا من السحر وما أكرهتنا عليه. النحاس: والأول أولى. المهدوي: وفية بعد، لقولهم: {إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ} وليس هذا بقول مكرهين، ولان الإكراه ليس بذنب، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغارا. قال الحسن: كانوا يعلمون السحر أطفالا ثم عملوه مختارين بعد. ويجوز أن يكون {ما} في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر، والتقدير: وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا. و{مِنَ السِّحْرِ} على هذا القول والقول الأول يتعلق بـ {أَكْرَهْتَنا 20: 73}. وعلى أن {ما} نافية يتعلق بـ {خَطايانا 20: 73}. {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى} أي ثوابه خير وأبقى فحذف المضاف، قاله ابن عباس.
وقيل: الله خير لنا منك وأبقى عذابا لنا من عذابك لنا وهو جواب قوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى 20: 71} وقيل: الله خير لنا إن أطعناه، وأبقى عذابا منك إن عصيناه. قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} 20: 74 قيل: هو من قول السحرة لما آمنوا.
وقيل: ابتداء كلام من الله عز وجل. والكناية في {إِنَّهُ} ترجع إلى الامر والشأن. ويجوز إن من يأت، ومنه قول الشاعر:
إن من يدخل الكنيسة يوما ** يلق فيها جآذرا وظباء

أراد إنه من يدخل، أي أن الامر هذا، وهو أن المجرم يدخل النار، والمؤمن يدخل الجنة. والمجرم الكافر.
وقيل: الذي يقترف المعاصي ويكتسبها. والأول أشبه لقوله تعالى: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} 20: 74 وهذه صفة الكافر المكذب الجاحد- على ما تقدم بيانه في سورة النساء وغيرها- فلا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته. قال الشاعر:
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ** شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته أخبر الله تعالى عنه فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها. ومعنى. {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} 20: 74 من يأت موعد ربه. ومعنى {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} 20: 75 أي يمت عليه ويوافيه مصدقا به. {قَدْ عَمِلَ} أي وقد عمل {الصَّالِحاتِ} أي الطاعات وما أمر به ونهى عنه. {فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى} 20: 75 أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات. ودل قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً 20: 75} على أن المراد بالمجرم المشرك. قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بيان للدرجات وبدل منها، والعدن الإقامة. وقد تقدم بيانه. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت غرفها وسررها {الْأَنْهارُ} من الخمر والعسل واللبن والماء. وقد تقدم. {خالِدِينَ فِيها} أي ماكثين دائمين. {وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى} 20: 76 أي من تطهر من الكفر والمعاصي. ومن قال هذا من قول السحرة قال: لعل السحرة سمعوه من موسى أو من بني إسرائيل إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضا المؤمن من آل فرعون. قلت: ويحتمل أن يكون ذلك إلهاما من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا، والله أعلم.

.تفسير الآيات (77- 79):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي} 20: 77 تقدم الكلام في هذا مستوفى. {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} 20: 77 أي يابسا لا طين فيه ولا ماء. وقد مضى في البقرة ضرب موسى البحر وكنيته إياه وإغراق فرعون فلا معنى للإعادة. {لا تَخافُ دَرَكاً} 20: 77 أي لحاقا من فرعون وجنوده. {ولا تخشى} قال ابن جريج قال أصحاب موسى له: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر قد غشينا، فأنزل الله تعالى: {لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى 20: 77} أي لا تخاف دركا من فرعون ولا تخشى غرقا من البحر أن يمسك إن غشيك. وقرأ حمزة {لا تخف} على أنه جواب الامر. التقدير إن تضرب لهم طريقا في البحر لا تخف. و{لا تَخْشى 20: 77} مستأنف على تقدير: ولا أنت تخشى. أو يكون مجزوما والألف مشبعة من فتحة، كقوله: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] أو يكون على حد قول الشاعر:
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

على تقدير حذف الحركة كما تحذف حركة الصحيح. وهذا مذهب الفراء.
وقال آخر:
هجوت زبان ثم جئت معتذرا ** من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

وقال آخر:
ألم يأتيك والإنباء تنمي ** بما لاقت لبون بني زياد

قال النحاس: وهذا من أقبح الغلط أن يحمل كتاب الله عز وجل على الشذوذ من الشعر، وأيضا فإن الذي جاء به من الشعر لا يشبه من الآية شيئا، لان الياء والواو مخالفتان للألف، لأنهما تتحركان والألف لا تتحرك، وللشاعر إذا اضطر أن يقدرهما متحركتين ثم تحذف الحركة للجزم، وهذا محال في الالف، والقراءة الأولى أبين لان بعده {وَلا تَخْشى 20: 77} مجمع عليه بلا جزم، وفيها ثلاث تقديرات: الأول- أن يكون {لا تَخافُ 20: 77} في موضع الحال من المخاطب، التقدير: فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا غير خائف ولا خاش.
الثاني أن يكون في موضع النعت للطريق، لأنه معطوف على يبس الذي هو صفة، ويكون التقدير: لا تخاف فيه، فحذف الراجع من الصفة. والثالث- أن يكون منقطعا خبر ابتداء محذوف تقديره: وأنت لا تخاف.
قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} 20: 78 أي أتبعهم ومعه جنوده، وقرى {فاتبعهم} بالتشديد فتكون الباء في {بِجُنُودِهِ 20: 78} عدت الفعل إلى المفعول الثاني، لان اتبع يتعدى إلى مفعول واحد. أي تبعهم ليلحقهم بجنوده أي مع جنوده كما يقال: ركب الأمير بسيفه أي مع سيفه. ومن قطع {فأتبع} يتعدى إلى مفعولين: فيجوز أن تكون الباء زائدة، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد. يقال: تبعه وأتبعه ولحقه وألحقه بمعنى واحد. وقوله: {بجنوده} في موضع الحال، كأنه قال: فأتبعهم سائقا جنوده. {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ} 20: 78 أي أصابهم من البحر ما غرقهم، وكرر على معنى التعظيم والمعرفة بالأمر. {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى} 20: 79 أي أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى خير ولا نجاة، لأنه قدر أن موسى عليه السلام ومن معه لا يفوتونه، لان بين أيديهم البحر. فلما ضرب موسى البحر بعصاه أنفلق منه اثنا عشر طريقا وبين الطرق الماء قائما كالجبال.
وفي سورة الشعراء: {فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} أي الجبل الكبير، فأخذ كل سبط طريقا. وأوحى الله إلى أطواد الماء أن تشبكي فصارت شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض، فكان هذا من أعظم المعجزات، وأكبر الآيات، فلما أقبل فرعون وراي الطرق في البحر والماء قائما أوهمهم أن البحر فعل هذا لهيبته، فدخل هو وأصحابه فانطبق البحر عليهم. وقيل إن قوله: {وَما هَدى 20: 79} تأكيد لاضلاله إياهم.
وقيل: هو جواب قول فرعون: {ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ 40: 29} [غافر: 29] فكذبه الله تعالى.
وقال ابن عباس {وَما هَدى 20: 79} أي ما هدى نفسه بل أهلك نفسه وقومه.

.تفسير الآيات (80- 82):

{يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82)}
قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} 20: 80 لما أنجاهم من فرعون قال لهم هذا ليشكروه. {وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} 20: 80 {جانِبَ} نصب على المفعول الثاني ل {واعدنا} ولا يحسن أن ينتصب على الظرف، لأنه ظرف مكان محض غير مبهم. وإنما تتعدى الافعال والمصادر إلى ظروف المكان بغير حرف جر إذا كانت مبهمة. قال مكي: هذا أصل لا خلاف فيه، وتقدير الآية. وواعدناكم إتيان جانب الطور، ثم حذف المضاف. قال النحاس: أي أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه ليكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام.
وقيل: وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة، فالوعد كان لموسى ولكن خوطبوا به لان الوعد كان لأجلهم. وقرأ أبو عمرو {ووعدناكم} بغير ألف واختاره أبو عبيد، لان الوعد إنما هو من الله تعالى لموسى خاصة، والمواعدة لا تكون إلا من اثنين. وقد مضى في البقرة هذا المعنى. و{الْأَيْمَنَ} نصب، لأنه نعت للجانب وليس للجبل يمين ولا شمال، فإذا قيل: خذ عن يمين الجبل فمعناه خذ على يمينك من الجبل. وكان الجبل على يمين موسى إذ أتاه. {وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى} 20: 80 أي في التيه. وقد تقدم القول فيه. {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} أي من لذيذ الرزق.
وقيل: من حلاله إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة. {وَلا تَطْغَوْا} أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا، لان الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز.
وقيل: المعنى، أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر النعم ولا شكر المنعم بها عليكم.
وقيل: أي ولا تستبدلوا بها شيئا آخر كما قال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] وقيل: لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس: فيتدود عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما تدود طعام أبدا. {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} 20: 81 أي يجب وينزل، وهو منصوب بالفاء في جواب النهي من قوله: {وَلا تَطْغَوْا}. {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى} 20: 81 قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي: {فَيَحِلَّ 20: 81} بضم الحاء {وَمَنْ يَحْلِلْ} 20: 81 بضم اللام الأولى. والباقون بالكسر وهما لغتان. وحكى أبو عبيدة وغيره: أنه يقال حل يحل إذا وجب وحل يحل إذا نزل. وكذا قال الفراء: الضم من الحلول بمعنى الوقوع والكسر من الوجوب. والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى، لأنهم قد أجمعوا على قوله: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ} [هود: 39]. وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه. {فَقَدْ هَوى 20: 81} قال الزجاج: فقد هلك، أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار، من هوى يهوي هويا أي سقط من علو إلى سفل، وهوى فلان أي مات.
وذكر ابن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير عن شفى الأصبحي قال: إن في جهنم جبلا يدعى صعودا يطلع فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يرقاه، قال الله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر: 17] وإن في جهنم قصرا يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفا قبل أن يبلغ أصله قال الله تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى 20-81} وذكر الحديث، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة. قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ} 20: 82 أي من الشرك. {وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى} 20: 82 أي أقام على إيمانه حتى مات عليه، قاله سفيان الثوري وقتادة وغيرهما.
وقال ابن عباس: أي لم يشك في إيمانه، ذكره الماوردي والمهدوي.
وقال سهل بن عبد الله التستري وابن عباس أيضا: أقام على السنة والجماعة، ذكره الثعلبي.
وقال أنس: أخذ بسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره المهدوي، وحكاه الماوردي عن الربيع بن أنس. وقول خامس: أصاب العمل، قاله ابن زيد، وعنه أيضا تعلم العلم ليهتدي كيف يفعل، ذكر الأول المهدوي، والثاني الثعلبي.
وقال الشعبي ومقاتل والكلبي: علم أن لذلك ثوابا وعليه عقابا، وقاله الفراء. وقول ثامن: {ثُمَّ اهْتَدى 20: 82} في ولاية أهل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله ثابت البناني. والقول الأول أحسن هذه الأقوال- إن شاء الله- وإليه يرجع سائرها. قال وكيع عن سفيان: كنا نسمع في قوله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ 20: 82} أي من الشرك {وَآمَنَ 110} أي بعد الشرك {وَعَمِلَ صالِحاً} صلى وصام {ثُمَّ اهْتَدى 20: 82} مات على ذلك.